لأول مرة فى تاريخ جماعة الإخوان يتم إعلان اسم المرشد العام للجماعة بعد ساعات من القبض على المرشد أو وجود مانع يمنعه من القيام بمهامه، فرغم تعرض الجماعة لعدة ضربات ومواجهات سابقة غيبت فيها المرشد العام للإخوان لم يتم اختيار من يخلف المرشد رسميا رغم أن هناك من يدير الجماعة خلفا له، لكن فى حالة القبض على محمد بديع المرشد الثامن لجماعة الإخوان فى الساعات الأولى لصباح الثلاثاء، خرج بيان عن الجماعة فى الخامسة فجرا أى بعد أقل من أربع ساعات ليعلن اختيار محمود عزت مرشدا عاما مؤقتا للإخوان مما يعد لغزا يحتاج دراسة وتحليل.
حدث كثيرا فى تاريخ الإخوان أن تغيب الرجل الأول فيها سواء بالاعتقال أو المرض أو حتى الإقامة الجبرية، ولم يحدث فى مرة طوال تاريخها منذ عهد المرشد الأول حسن البنا 1928 أن تم إعلان مرشد آخر دون أن يطلق عليه قائم بأعمال المرشد.
فحسن الهضيبى، المرشد الثانى للجماعة، اعتقل حوالى 3 مرات وحكم عليه مرتين بالسجن ولم يعلن التنظيم اختيار بديل له، فتم اعتقاله فى يناير 1954 لمدة شهرين، ثم اعتقل للمرة الثانية أواخر 1954 وحكم عليه بالإعدام ثم خُفف للمؤبد ثم الإقامة الجبرية ورفعت عنه الإقامة الجبرية 1961، وأعيد اعتقاله 1965 وحكم بتهمة إحياء التنظيم وتم الإفراج عنه 15 أكتوبر 1971 ومارس عمله حتى الوفاة فى نوفمبر 1973.
وكذلك تم اعتقال عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة فى أحداث 1981 لعدة أشهر، ولم يختار التنظيم خلفا له حتى خرج من السجن. كما أن مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة دخل فى غيبوبة إثر نزيف فى المخ دام أكثر من خمسة عشر يوما فى 2002، رغم علم الجميع أن مأمون الهضيبى نائبه كان قائما بأعمال المرشد العام لكن لم يتم إعلانه رسميا.
إذن فاختيار محمود عزت والموجود خارج مصر حاليا فى غزة منذ الأسبوع الأخير من يونيو الماضى يعد أكبر دليل على اضطراب تنظيم الإخوان، وتحرك الجماعة فى محاولات أخيره للحفاظ على ما تبقى من التنظيم، خاصة أن عزت بالفعل هو المرشد الحقيقى للجماعة على مدار السنوات الأخيرة منذ وفاة مأمون الهضيبى مرورا بعهد محمد مهدى عاكف ومحمد بديع.
وعلى مدار حكم مبارك منذ 1981 لم يتم القبض على أى مرشد عام للإخوان وكان دائما المرشد بقرار من القيادة السياسية والأمن وقتها خطا أحمرا لا يتم الاقتراب منه رغم وصول الأمر فى 1995 للقبض على 43 قياديا من الجماعة أعضاء مجلس شورى الجماعة وقت انتخابات مكتب الإرشاد بينهم 13 من مكتب الإرشاد، كما وصل الاعتقال إلى 34 قياديا من الإخوان بينهم 8 من مكتب الإرشاد يوم 26 يناير 2011 بينهم محمد مرسى وسعد الكتاتنى وعصام العريان وآخرين، بل تم الحكم بالسجن على نائب المرشد خيرت الشاطر لخمس سنوات فى 2007 على خلفية ميليشيات الأزهر، ولم يتم الاقتراب من المرشد رغم ما جاء فى التحقيقات وقتها من إدانة للمرشد العام للإخوان.
لكن فى عهد مبارك كانت جماعة الإخوان تلعب سياسة وتدخل الانتخابات وكان لها من وقت لآخر نواب فى البرلمان، وأدانت فى التسعينات أعمال العنف التى قامت بها الجماعة الإسلامية فى الصعيد وهو ما أشاد به مبارك شخصيا فى أكثر من حوار صحفى، وقد يكون هذا هو الذى شفع للجماعة ألا يتم اعتقال مرشدها، وأملا فى أن يظل رأس التنظيم فاعلا حتى لا يقلب أعضاء التنظيم ضد السلطة وضد الحاكم.
أما الآن وقت بلغ عنف الإخوان وحلفائهم ومؤيديهم إلى أبعد مدى وصل إلى تعذيب وقتل وحرق مواطنين، بجانب محاولات إثارة الفوضى وحرق مصر وعدم الاعتراف أو تلبية نداءات العمل السياسى بل والرد عليها بالعنف والمولوتوف والرصاص.
إذن فاختيار عزت ليس إلا "قبلة الحياة" للحفاظ على ما تبقى من تنظيم الإخوان، بجانب رسالة لقواعد الجماعة والذين بدأ عقدهم ينفرط على التماسك والسيطرة على الأمور، وإرسال رسالة للقواعد والأعضاء أنه ما زال هناك رأس للجماعة وعقل يفكر ويوجه ويدير الأمور رغم أن أعلى منصب قيادى للجماعة فى السجن ومعرض للمحاكمة فى أكثر من تهمة قد تغيبه لمدى الحياة فى السجن.
كما أن اختيار عزت وهو نائب أول المرشد العام للإخوان بما يعنى انه أعلى منصب بعد المرشد فى مكتب الإرشاد الدولى للجماعة أى الرجل الثانى فى التنظيم الدولى، وأعلى من أصحاب مناصب المراقب العام المسئولين عن أمور الجماعة فى الدول العربية، لكن رأيه لا يرجح أى قرار فى حال اتخاذه طبقا للائحة التنظيم باعتبار أن صاحب القرار ومن يعلنه ويدعو للاجتماع هو المرشد العام.
كما أن النائبين الآخرين للمرشد هما خيرت الشاطر ورشاد بيومى محبوسان احتياطيا حاليا ومقدمان للمحاكمة على خلفية أحداث المقطم والاتحادية، وكذلك الأمين العام للجماعة محمود حسين موجود خارج مصر حاليا (فى تركيا) ولا يمكن أن يدير الجماعة بعيدا عن منصب المرشد لذلك تم اتخاذ قرار بإعلان عزت مرشدا عاما.
ولكن لماذا عزت تحديدا؟ ولماذا حاول الإخوان نشر الخبر بأقصى سرعة دون الانتظار للصباح؟! فعزت الملقب بـ"الرجل الحديدى" و"الثعلب" كما يسميه غالبية الإخوان والمراقبين للجماعة، بعيدا عن القبضة الأمنية فى مصر وهرب إلى غزة حيث يقيم غرفة عمليات فى فندق الشاطئ المملوك لقيادات حماس بغزة، وهو من يحرك العمليات الجهادية فى سيناء منذ يوم 28 يونيو الماضى بل ويتردد أنه صاحب فكرة الاعتصام فى رابعة والنهضة، ووضع خطة التصعيد والتدرج والأماكن والخطط البديلة قبل أن يهرب إلى غزة، خاصة أنه هرب إلى غزة مساء يوم 26 يونيو عقب اجتماعين أحدهما لمكتب الإرشاد وآخر لأعضاء من التنظيم الدولى.
إذن عزت هو المحرك وهو المدبر وهو الذى وضع القواعد التى يتحرك عليها الإخوان وهرب إلى غزة، ليأتى اليوم ويعلنوه مرشدا عاما، كل هذا يكشف أن التضحية ببديع كانت مبكرة وأنه ما كان إلا اسما يتحرك بين القواعد أو فى مقر الاعتصام أو يوجه رسالته الأسبوعية كلها بصفته وليس بصلاحياته، أما الصلاحيات فهى لمحمود عزت المرشد العام الفعلى سواء كان بديع موجودا أو غير موجود.
وبقراءة فى تاريخ عزت نعرف أنه من أشد مؤيدى العنف فى الجماعة وأنه قائد للتيار القطبى (نسبة إلى سيد قطب وما كتبه من قبل عن تكفير المجتمع) مما يعنى أن الفترة المقبلة قد تشهد تصاعدا لأعمال العنف، إلا أن عزت معروف عنه برجماتيته، والتعامل حسب المصلحة مما قد يفتح مجالا للتفاوض السياسى، والحفاظ على ما تبقى من التنظيم الذى تم اعتقال أكثر من 20% من قياداته، وهروب عدد منهم للخارج، خاصة أن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة توارى خلف التنظيم واختفى فى أعمال العنف التى يقوم بها أنصار الجماعة فى الشارع.
كما أن اختيار عزت هو رسالة للتنظيم الدولى بأن مصر هى المسيطرة وصاحبة القرار فى التنظيم الدولى، كما هو رسالة للمجتمع الدولى بأن الجماعة متماسكة رغم الضربات المتتالية من الأمن لها فى مصر، وأن لديهم استعداد للعمل رغم حبس رأس الجماعة.
المصدر اليوم السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق