أمام معهد ناصر حين تعطي ظهرك للكورنش ويلفح الهواء ظهرك وأنت تتقدم ناحية باب المستشفى وعلى ضوء خافت في الليل يسألك حارس المستشفى إلى أين أنت ذاهب بعد أن انتهت مواعيد الزيارة؟ فترد أنك تنوي الدخول عند أهل محمد اللي اتصاب عند كنيسة العذراءومات من شوية، تلين ملامح فرد الأمن ويحرك الباب الحديد قليلاً ويشير لك بالدخول في صمت دون أن يرشدك للمكان.
أتحسس خطاي في الظلام الذي يشتد كلما بعدت عن الباب الخارجي ومصباحه الخافت حتى أصل إلى قسم الطوارئ، في الممر الذي تضيئه لافتة على مرمى البصر مكتوب عليها الطوارئ.. وبعض من ضوء القمر، يجلس رجل على السور وهو ينظر للعالم نظرات زائغة يستند بظهره على أحدهم.. ذلك الأب الذي فقد ابنه منذ قليل محمد الشاب ابن الـ15 عامًا والذي التحق بمدرسة السياحة الفندقية هذا العام الضحية الخامسة في حادث كنيسة العذراء بالوراق.
أضفت لوعة الفقد على والد محمد شيئًا من القدسية تجعلك تتردد قليلاً قبل أن تسأله عن اللحظات الأخيرة التي عاشها ابنه.. ولكن حتى بعد أن تنحي مشاعرك جانبًا لتتحدث مع والد محمد تدرك أنك لن تستطيع.. يناديه أحد جيرانه الذي ظل معه في المستشفى منذ لحظة إصابة محمد: يا حاج إبراهيم ياأبو محمد فيصرخ الرجل زائغ العينين مين؟ أنا فين؟ لتدرك أنه غائب عن الوعي أو يحاول أن يحلق في عالم آخر عله يجد ابنه ويودعه في اللحظات الأخيرة.
يخبرك جيرانه أنه لن يستطيع التحدث الآن .. ويأتي أمير عيسى والد العروس التي كان من المقرر لها أن تفرح في هذا اليوم وبدلت الأبيض بالأسود ليحاول أن يحكي لك ماحدث.
يحكي والد العروس والذي وجه الدعوة لجيرانه في هذا اليوم لحضور (الإكليل) زفاف ابنته أن محمد هو ابن جاره الحاج إبراهيم وأنهم جيران ع الحلوة والمرة ووجه لهم دعوة لحضور فرح بنته دنيا مثلما وجهها لهم قبل أشهر قليلة لحضور فرح ابنته الكبرة أميرة.
يبتعد والد دنيا قليلًا عن تجمع الجيران ووالد محمد الذين ظلوا منتظرين انتهاء إجراءات خروج محمد من المستشفى ليحكي عما حدث وهو يحرص أن يخرج صوته خفيضًا كي لا يضغط على أوتار ألم الحاج إبراهيم ويزيدها أنينًا: "ذهبنا لإحضار العروس من الكوافير لنذهب إلى الاستديو للتصوير قبل حضور الإكليل الساعة 10.. كنا ماشيين بالعربيات ورا بعض بس محمد تاه مننا واحنا رايحين الاستديو فقلنا له يسبقنا ع الكنيسة وهو عارفها عشان عملنا فيها قبل كدة إكليل أميرة بنتي الكبيرة".
يتوقف عيسي عن الحكي قليلاً ثم يستأنفه من جديد قائلاً: "مكناش نعرف.. نصيبه كدة" ثم تمر لحظات صمت أخرى ثقيلة يعاود والد العروس بعدها القول: "محمد سبقنا ع الكنيسة واحنا رحنا مع العروسة دنيا وابن خالها مينا، واحنا هناك في الاستديو كلمونا قالولنا متجوش في ضرب نار عند الكنيسة وبعدها بشوية قالولي محمد اتصاب بـ3 رصاصات واحدة في بطنه واتنين في رجله".
يكمل أمير: "رجعت ببنتي ع البيت وجيت بسرعة المستشفى عشان أشوف محمد، وقتها ابتسم لي والرصاص مخرم جسمه وقاللي: متخافش ياعمي".
ذهب أمير في اليوم التالي ليأتي بعائلته لتطمئن علي محمد.. وكانت معه دنيا التي لم تتم فرحتها وبات يوم فرحها يوم دموع ودم لمصر، جاءت دنيا ومعها مينا اللذان كانا على بعد خطوات من حياتهما الجديدة ليودعا محمد وينظرا له من خلف زجاج وهو يرقد في العناية المركزة.. يشعرون من نظرته أنه يودعهم ولكنهم يخفون شعورهم ويطمئنوا الحاج إبراهيم والده.
قضى أمير والد العروس ساعاته بجانب محمد، حتى فارق الحياة، يندم لأن آخر أمنيات محمد قبل الموت هي أن يشرب مياهًا ولكنهم كانوا يمنعونها عنه وفقًا لأوامر الطبيب، يقول: "ياريتني كنت اديته يشرب"، هكذا مات محمد وهو ظمآن رغم أن الأرض ارتوت بدمائه ودماء 4 آخرين قبل يومين.. شربت الأرض دماء بريئة كان ذنب أصحابها أنهم ذهبوا ليفرحوا.
لم يكن يريد أمير سوي أن يشاركه جيرانه فرحته، لم يكن يعلم أنهم على موعد مع دفع فاتورة غالية الثمن وجرح غائر ستبقى معالمه راسخة في أذهان البيتين المتجاورين.
وقف والد العروس دنيا في انتظار خروج جثمان محمد معلنًا حالة الحداد.. أمير لا يعرف متى سيقيم حفل الإكليل مرة أخرى لابنته وهل سيستطيع أن يعاود توجيه الدعوة لجيرانه أم لا؟
ربما أصبح حلم أمير بعد أن تنتهي حالة الحداد التي أعلنها أن يقيم فرحًا لابنته دون أن يموت أحد.
أتحسس خطاي في الظلام الذي يشتد كلما بعدت عن الباب الخارجي ومصباحه الخافت حتى أصل إلى قسم الطوارئ، في الممر الذي تضيئه لافتة على مرمى البصر مكتوب عليها الطوارئ.. وبعض من ضوء القمر، يجلس رجل على السور وهو ينظر للعالم نظرات زائغة يستند بظهره على أحدهم.. ذلك الأب الذي فقد ابنه منذ قليل محمد الشاب ابن الـ15 عامًا والذي التحق بمدرسة السياحة الفندقية هذا العام الضحية الخامسة في حادث كنيسة العذراء بالوراق.
أضفت لوعة الفقد على والد محمد شيئًا من القدسية تجعلك تتردد قليلاً قبل أن تسأله عن اللحظات الأخيرة التي عاشها ابنه.. ولكن حتى بعد أن تنحي مشاعرك جانبًا لتتحدث مع والد محمد تدرك أنك لن تستطيع.. يناديه أحد جيرانه الذي ظل معه في المستشفى منذ لحظة إصابة محمد: يا حاج إبراهيم ياأبو محمد فيصرخ الرجل زائغ العينين مين؟ أنا فين؟ لتدرك أنه غائب عن الوعي أو يحاول أن يحلق في عالم آخر عله يجد ابنه ويودعه في اللحظات الأخيرة.
يخبرك جيرانه أنه لن يستطيع التحدث الآن .. ويأتي أمير عيسى والد العروس التي كان من المقرر لها أن تفرح في هذا اليوم وبدلت الأبيض بالأسود ليحاول أن يحكي لك ماحدث.
يحكي والد العروس والذي وجه الدعوة لجيرانه في هذا اليوم لحضور (الإكليل) زفاف ابنته أن محمد هو ابن جاره الحاج إبراهيم وأنهم جيران ع الحلوة والمرة ووجه لهم دعوة لحضور فرح بنته دنيا مثلما وجهها لهم قبل أشهر قليلة لحضور فرح ابنته الكبرة أميرة.
يبتعد والد دنيا قليلًا عن تجمع الجيران ووالد محمد الذين ظلوا منتظرين انتهاء إجراءات خروج محمد من المستشفى ليحكي عما حدث وهو يحرص أن يخرج صوته خفيضًا كي لا يضغط على أوتار ألم الحاج إبراهيم ويزيدها أنينًا: "ذهبنا لإحضار العروس من الكوافير لنذهب إلى الاستديو للتصوير قبل حضور الإكليل الساعة 10.. كنا ماشيين بالعربيات ورا بعض بس محمد تاه مننا واحنا رايحين الاستديو فقلنا له يسبقنا ع الكنيسة وهو عارفها عشان عملنا فيها قبل كدة إكليل أميرة بنتي الكبيرة".
يتوقف عيسي عن الحكي قليلاً ثم يستأنفه من جديد قائلاً: "مكناش نعرف.. نصيبه كدة" ثم تمر لحظات صمت أخرى ثقيلة يعاود والد العروس بعدها القول: "محمد سبقنا ع الكنيسة واحنا رحنا مع العروسة دنيا وابن خالها مينا، واحنا هناك في الاستديو كلمونا قالولنا متجوش في ضرب نار عند الكنيسة وبعدها بشوية قالولي محمد اتصاب بـ3 رصاصات واحدة في بطنه واتنين في رجله".
يكمل أمير: "رجعت ببنتي ع البيت وجيت بسرعة المستشفى عشان أشوف محمد، وقتها ابتسم لي والرصاص مخرم جسمه وقاللي: متخافش ياعمي".
ذهب أمير في اليوم التالي ليأتي بعائلته لتطمئن علي محمد.. وكانت معه دنيا التي لم تتم فرحتها وبات يوم فرحها يوم دموع ودم لمصر، جاءت دنيا ومعها مينا اللذان كانا على بعد خطوات من حياتهما الجديدة ليودعا محمد وينظرا له من خلف زجاج وهو يرقد في العناية المركزة.. يشعرون من نظرته أنه يودعهم ولكنهم يخفون شعورهم ويطمئنوا الحاج إبراهيم والده.
قضى أمير والد العروس ساعاته بجانب محمد، حتى فارق الحياة، يندم لأن آخر أمنيات محمد قبل الموت هي أن يشرب مياهًا ولكنهم كانوا يمنعونها عنه وفقًا لأوامر الطبيب، يقول: "ياريتني كنت اديته يشرب"، هكذا مات محمد وهو ظمآن رغم أن الأرض ارتوت بدمائه ودماء 4 آخرين قبل يومين.. شربت الأرض دماء بريئة كان ذنب أصحابها أنهم ذهبوا ليفرحوا.
لم يكن يريد أمير سوي أن يشاركه جيرانه فرحته، لم يكن يعلم أنهم على موعد مع دفع فاتورة غالية الثمن وجرح غائر ستبقى معالمه راسخة في أذهان البيتين المتجاورين.
وقف والد العروس دنيا في انتظار خروج جثمان محمد معلنًا حالة الحداد.. أمير لا يعرف متى سيقيم حفل الإكليل مرة أخرى لابنته وهل سيستطيع أن يعاود توجيه الدعوة لجيرانه أم لا؟
ربما أصبح حلم أمير بعد أن تنتهي حالة الحداد التي أعلنها أن يقيم فرحًا لابنته دون أن يموت أحد.
المصدر الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق