السبت، 26 أكتوبر 2013

مأزق المرحلة الانتقالية: جماعات إرهابية وسلطة مرتبكة .. خطط التنظيم الدولى للإخوان تستند للتدخلات الخارجية ويتفاوضون لاقتسام الوطن وحكومة تبدو أياديها مرتعشة فى مواجهة الإرهاب

وكأن المرحلة الانتقالية الراهنة فى مصر ينقصها مزيدا من التعقيد والتشابك، الذى تتسم به عادة مراحل ما بعد الثورات الكبرى، فكان تطوع المتطوعين لتشويه المشهد، وخلط الأوراق بين ما هو دعوى وما هو سياسى، وما هو إرهابى، فاختلطت - بالفعل - بعض الأوراق، وارتبكت لقطات المشهد، وغابت أو تشوهت الوسائل الضرورية للتعامل مع عصابات أدمنت الدماء وامتهنت القتل واحترفت الترويع، بعدما بدا وكأن لا أحد يعرف، وأخشى أن أقول: إنه لا أحد يجرؤ على تحديد طبيعتها، ثم امتد خط التشوه والتشويه على استقامته، فلم يعد بوسع أحد أن يعرف ما إن كنا بالفعل نجتاز مرحلة يفترض أن تنقلنا من فعل الثورة إلى حصاد ثمارها، أم أننا بصدد مرحلة مؤقتة قد تعيدنا إلى ما قبل يناير 2011؟
وكذلك يصبح «غياب الرؤية» هو الخيط الناظم لارتباك المشهد المصرى الراهن وتشوهه، على أحد طرفيه تقف جماعات مجهولة، أو بالأحرى وللدقة «مُجهلة» الوظيفة والطبيعة والدور، بينما يمسك بالطرف الثانى من «الخيط»  حكومة مرتبكة لا يكاد أحد يلمح لها وجودا أو دورا، باستثناء وزارتى الدفاع والداخلية، وكأن الدولة بكل مؤسساتها وهياكلها ومرتكزاتها قد تعرضت لحالة من الاختزال والابتسار، فلم يعد لدينا منها سوى الفريق أول عبدالفتاح السيسى واللواء محمد إبراهيم.
الجماعات التى يسمونها على سبيل التضليل «الإسلام السياسى» لا يعرف أحد لها أى دور سياسى، ولو محدود، منذ أن أقحمت نفسها على المشهد المصرى، فى عشرينيات القرن الماضى، وحتى الآن. صحيح أن السياسة بمفهومها الواسع والشامل تغطى كل مناحى الحياة، من السعى وراء لقمة الخبز وحتى قرض الصندوق الدولى، مرورا بإعلانات التليفزيون وجيوش العاطلين عن العمل وفوضى المرور ودور المرأة فى المجتمع، حتى العمل الخيرى والنشاط الأهلى، تندرج جميعا تحت المفهوم الواسع والشامل للسياسة. إلا أن الصحيح أيضا أن الحديث عن دور سياسى لهذا الحزب أو تلك الجماعة أمر يختلف تماما، حيث المعيار هنا هو برنامج سياسى اقتصادى- اجتماعى، يتضمن تشخيصا لأزمات الوطن ومشاكله، ويقترح لها حلولا ومخارج، ثم يفتح أمامنا آفاق المستقبل للبناء للتقدم والتطور.
برنامج يتضمن ما يراه أصحابه -وفق وجهة نظرهم- من حلول مناسبة لأزمات التعليم والبطالة والعلاج والسكن، واتساع قاعدة الفقر والفقراء، ثم يتدرج صعودا للحديث عن دور الدولة فى الاقتصاد وضبط الأسواق، وحدود وظيفة رأس المال الخاص، والمسؤولية الاجتماعية للدولة فى التأمين والمعاشات، ومعنى الديمقراطية وحقوق المواطنين، وتداول «أو احتكار» السلطة، والضرائب، فضلا عن رؤية لكيفية إدارة العلاقات الدولية والإقليمية، ثم يطرح رؤى وتصورات المستقبل وكيفية النهوض والتطور، كما يراه أصحاب البرنامج، والعبرة ليست أن تختلف أو تتفق مع هذا البرنامج أو ذاك، إنما وتحديدا، أن تجد البرنامج الذى يمكن أن تقبله أو أن ترفضه، كليا أو جزئيا.
ورغم أن أزمات ومشاكل مصرية بادية بوضوح أمام كل متابع، للشأن العام، ورغم أن المشكلة الحقيقية تتبدى فى طرح الحلول المناسبة، فإن الواقع يصرخ فى وجوهنا جميعا بأن أيا من تلك التيارات التى خلطت اسمها قسرا باسم الإسلام، لم تمتلك يوما برنامجا سياسيا، يضعها فى إطار الأحزاب والقوى والحركات السياسية، ولو على هامش السياسة، غاية ما قدموه لنا هو «برنامج الشريعة» عن أحكام هدم التماثيل وقطع الأيدى والأرجل خلف خلاف وغلق القنوات الفضائية وحرق كتب نجيب محفوظ، ثم اختلافات فيما بين مدارسهم الفقهية حول كيف ومتى يمكن تطبيق هذا «الحكم الشرعى» أو ذاك.
وفى الممارسة العملية خاض «الإسلاميون» ومنذ اللحظة الأولى لوصولهم إلى الحكم، حربا ضروسا ضد كل مؤسسات الدولة لهدمها، وتربصوا بالقوات المسلحة لتفتيتها، وأحالوا سيناء مقرا ومستقرا للإرهاب وعناصره، حتى بدا وكأن «تنظيم القاعدة» قد نقل نشاطه إلى سيناء، أو افتتح له فرعا فيها، ثم كانت مصر قد عرفت لأول مرة منذ تأسيس الدولة الحديثة «عام 1805» مصطلحا مثل «أخونة الدولة»، حيث لم يحدث على مدى أكثر من 200 سنة، أن حاول أى حاكم مصرى أن يضع الدولة فى جيبه، مثلما حاول الإسلاميون، فيما اصطلح على تسميته «أخونة الدولة». ولا أحد يعرف أين وكيف ولماذا غابت السياسة، ولا ما هى معايير حشر هذه التكوينات قسرا بين قوى وتنظيمات العمل السياسى؟
وكذلك يصبح طبيعيا أن يلاقى «المشروع الإسلامى» فشلا ذريعا حيثما وصل إلى السلطة، وانظر حولك من أفغانستان وحتى السودان والصومال، لترى وتتأكد، كما هو طبيعى أيضا ألا يجد الباحث المدقق أى أثر لدور «الإسلام السياسى» فى إثراء الوطن وتقدمه، من سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم، وحتى نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، ومن فؤاد زكريا إلى زكى نجيب محمود، ومن سلامة موسى إلى أنيس منصور، وقس على ذلك فى كل مجالات العلوم والفنون والآداب والقانون والصحافة والإعلام، حيث لن تجد إسهاما واحدا، ولو متواضعا، لأى ممن انتموا لخلطة الإسلام والسياسة الغريبة والغبية.
ثم يصبح طبيعيا -بالضرورة - أنه بعد السقوط المدوى فى 30 يونيو، لم يرفع أى من هؤلاء شعارا سياسيا واحدا، فلم يكن أمامهم سوى أن يتدثروا بالإسلام محاولين تصوير أنفسهم وكأنهم مبعوثو العناية الإلهية لإنقاذه وحمايته، ولو بسفك الدماء وانتظار تعليمات وخطط التنظيم الدولى، الاستنجاد بدعم قوى دولية وإقليمية.
بيد أن الغريب والمثير، أن هناك من يسعى لتصوير المشكلة باعتبارها «صراعاً سياسياً» داعيا لتفاوض ينهى الأزمة «أين هى السياسة؟ وعلام يتفاوض المتفاوضون؟ على اقتسام الوطن؟ أم توزيع إرث السلطة؟» ثم تنهمر على رأس الوطن «مبادرات الصلح» بينما المصالحة المجتمعية أمر مختلف تماما وجذريا عن الوساطة من أجل إعادة المياه إلى مجاريها بين زوجين متخاصمين.
وهناك على الطرف الآخر من الخيط الناظم للمشهد المصرى الراهن بارتباكه وتشوهه، تقف حكومة تبدو أياديها مرتعشة، وخطواتها مرتبكة، لا تعرف ماهية دورها وحدود مسؤوليتها، فلا هى تملك من الحزم ما يكفى لإزالة آثار العدوان الإخوانى على الدولة، وفيه دستور 2012، ولا عندها من العزم ما يلبى احتياجات ومطالب الشعب، وكأننا أمام حكومة لا تعرف أنه إذا كان دور الشرطة والجيش التصدى للإرهاب بالقوة، فإن مسؤوليتها فى مواجهة الإرهاب تبدأ وتنتهى بحل مشاكل الناس.
لقد شاءت تصاريف الأقدار أن تلخص وتجسد لنا حقيقة التخبط والعجز الحكومى فى مشهدين، كان أولها عندما أعلن الرئيس عدلى منصور فى خطابه بمناسبة ذكرى 6 أكتوبر، البدء فى تنفيذ مشروعين عملاقين، البدء فى إنشاء محطة الضبعة النووية، والبدء فى تنمية قناة السويس، بينما الحكومة لم تزل تقف مشدوهة فى مواجهة أزمات التكدس المرورى، فاشلة فى حل مشكلة القمامة فى الشوارع، عاجزة عن مواجهة فوضى المتأسلمين فى المدارس والجماعات «دعك الآن من حديث الحدين والأقصى للأجور وضرورات إعادة هيكلة نظام الأجور». 
ثم كان المشهد الثانى قبل أيام قليلة فى مركز الصف «محافظة الجيزة» عندما تولت القوات المسلحة مسؤولية إعادة بناء الجسر الذى تهدم، وتصريف مياه الصرف الصحى التى أغرقت عددا من القرى، وإعادة بناء ما تهدم من مساكن، وكأن ليس لدينا حكومة فيها وزراء للإسكان والرى والنقل.
وبين طرفى «غياب الرؤية» الناظم لارتباك المشهد المصرى الراهن وتشوهه، لم يزل هناك وطن يبحث عن مستقبله وشعب ثائر من أجل «عيش حرية كرامة إنسانية».
 



المصدر اليوم السابع





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق