معروف أن من يشعر بالظلم أو الاضطهاد أو الجور على حقوقه، يجأر بالشكوى لمن بيده إصلاح الأمر، أملاً فى الحصول على حقه أو رفع معاناته.. لكن ماذا لو أغلق المسئول أذنيه وأغمض عينيه، بل والأدهى لو أنه أوصد قلبه بأقفال حديدية، ربما على غرار «خلّيهم يتسلّوا» أو «الرئيس المعصوم من الخطأ» الذى لا يرى إلا «صندوقاً» يخوّله فعل ما يتراءى له، وفى هذه الحال يحق للواقع تحت وطأة أى من أسباب العنت والقهر أو الظلم، أن يتظاهر، بحيث يستقطب أكبر عدد ممكن إلى الدفاع عن قضيته، فتتسع، رويداً رويداً، دائرة المتعاطفين معه والمؤيدين له، وكلما تزايد العدد، تحول الصوت المحتج إلى هدير يكافئ الرعد فى قوته، فيوقظ «المسئول» من غفوته ويرغمه على فتح عينيه ورؤية الحقيقة التى تجاهلها أو حاول التهرب منها.. ومن ثم تبدأ المفاوضات أو فى أسوأ الحالات، أى استمرار المسئول فى التجاهل، يتصاعد غضب المتظاهرين، ولا يجد المسئول، حينئذ، مفراً من طرح الحلول، وإلا تحول الغضب المحدود إلى ثورة تطيح بمن يعاند الواقع.. وفى كل الأحوال، يحتم القانون عدم تعدى المتظاهرين على مؤسسات الدولة، فما بالك بالعدوان على من يختلفون معهم، إذا ما كان التظاهر لدواعٍ سياسية!؟. وفى كل الديمقراطيات فى العالم، يكون التظاهر بإخطار مسبق، يحدد الهدف من المظاهرة وخط سيرها وساعة وتاريخ قيامها ويحق للسلطات المعنية، تعديل المسار أو الموعد وكذلك قد تصل إلى حد منع المظاهرة، إذا توافر ما يدل على أنها تستهدف تكدير الأمن العام.. وقد أدهشنى الهجوم المنظم والشرس ضد قانون تنظيم التظاهر، وكأن البعض يعتبر أن ترك الحبل على الغارب، لفصيل أو آخر (يقتحم الجامعات ويخرب منشآتها ويحبس أساتذتها ويعتدى بالضرب، أو بالخرطوش إذا تيسر، على الطلبة، ويا ويلهم لو كانوا يرفعون صوراً لـ«السيسى»)، أو لجماعة أخرى تقطع الطرق أو تحتل محطات المترو، أو شل حركة القطارات، هو عين الحرية، وهو ما قامت من أجل تحقيقه ثورة يناير، ولما سرقتها الجماعة وأنصارها، انتفض المصريون لدرء خطر تفتيت مصر وبيعها بالقطعة، لأطراف «الصفقة»، وفى صلب المخطط، تقزيم أم الدنيا إلى دُويلة، فى دولة الخلافة، ولا تسأل لماذا يبحث هؤلاء، دائماً، عن «خليفة» غير مصرى، هذا بفرض العودة قروناً إلى الخلف، إلى وهم الخلافة والذى عانينا منه الأمرّين، تحت حكم الاحتلال التركى البغيض؟!. وأتساءل: ما هى الدولة التى يمكن أن يستشهد بنموذجها، المنادون بالحرية المطلقة، بحرية القتل والحرق والتخريب والترويع، التى تسمح بكل ذلك، وأسترسل فى التساؤل: لماذا لم يقترب معارضو القانون، ولو بكلمة حق، ممن يرتكبون يومياً، جرائم اغتيال فى صفوف قواتنا، من الجيش والشرطة، لماذا لا يطالبونهم باحترام حق الحياة وحرية أن يكون لهم رأى مخالف أو اختيارات مختلفة.. وبأى حق يضعون «فيتو»، أى يعترضون، على حقنا فى تفضيل الفريق أول عبدالفتاح السيسى، على أى مرشح محتمل من بين الوجوه المطروحة على الساحة، وكأنهم يحملون له حقداً دفيناً، لأنه أنقذ مصر من مصير مظلم، عندما استشعر الخطر ومعه جيش وطنى، هو قائده.. ناهيك عن لهجتهم المتغطرسة، المتعالية، وكأنهم العلماء الكبار والجنرالات العظام، وهم «يحذرون!؟» الشعب مما يسمونه، حكم العسكر، وهو لفظ لا يليق بمواطن مصرى، بينما أفراد قواتنا المسلحة، هم الساهرون على سلامة الوطن وأمنه ضد أعداء الخارج والداخل.. قد أصدق أن الاعتراضات على قانون التظاهر، خالصة النية، لو أن إدانة واحدة، صدرت تؤثم الاغتيال الغادر الذى تعرضت وتتعرض له قواتنا من الجيش والشرطة، والتهديدات، بأن «مرحلة الاغتيالات لم تبدأ بعد؟ وأن الخراب ينتظر مصر». والأهم، هل تتخلى الدولة عن مبرر وجودها ذاته، ألا وهو حق الشعب عليها بحمايته من كل من تسول له نفسه انتهاك هذا الحق، وأن مبدأ عدم التعسف فى استعمال الحق.. ومن المهم بمكان، أن يعترف من يطالب بالحرية لنفسه فقط، لا سيما من ينسب نفسه «للإسلام والمشروع الإسلامى»، بهذا المبدأ الإسلامى الرفيع وأن يعمل به.. أم تُراهم لا يعرفونه؟
المصدر الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق